إلهام العطار
لم يثبت السوريون خلال سنوات الحرب قوة إرادتهم على الصمود وتجاوز التحديات فحسب، بل أثبتوا أيضاً قدرتهم وتفوقهم وإبداعهم العلمي ليقولوا للعالم: إن سورية كانت ولا تزال بلد العظماء والعلماء، التي لم تتوقف فيها مسيرة البحث العلمي لحظة واحدة رغم أزمتها وظروفها القاسية، وهو ما أكدته من خلال براءات الاختراع الأربع الجديدة في مجال المواد الدوائية للسرطان التي سجلها الباحث السوري إبراهيم الشعار بعد سبع سنوات من الأبحاث المعمقة التي عدها المختصون، ومنهم الدكتور حبيب عبود مدير مخابر الرقابة والبحوث الدوائية في وزارة الصحة، فريدة من نوعها، في حين رآها المرضى الذين التقيناهم بارقة أمل تلمع في سمائهم، وإن دلت على شيء فإنها تدل على أن هناك، ورغم ظروف الحرب وقساوتها، من يهتم بالبحث عن طرق جديدة لعلاجهم من مرض عضال وقف الطب أمامه عاجزاً.
حقائق وتفاصيل
يقول الباحث في الهيئة العامة للتقانة الحيوية إبراهيم الشعار، في تصريح خاص لـ«تشرين»: إن الأبحاث العلمية عن «دراسة تأثير فعالية مستخلصات منتجة من أحياء دقيقة معزولة محلياً في الخلايا السرطانية» التي أجريت ضمن مخابر الهيئة العامة للتقانة الحيوية في دمشق وفي مخابر الصحة العامة وبحوث الرقابة الدوائية بالتعاون مع مجموعة من الباحثين، تصب كلها في غاية واحدة هي تقديم الوقاية والمساهمة في علاج مرضى السرطان، وتتضمن أربعة اختراعات اثنان منها في تحضير متممين غذائيين، الأول هو توليفة من الأحياء الدقيقة على شكل حبيبات الكيفير والثاني كيفير قلوي، أما براءة الاختراع الثالثة فهي في تحضير مادة دوائية هي الكيفيران Exopolysaccharide عالي القلوية، وبراءة الاختراع الرابعة هي تحويل الوسط في الخلايا السرطانية من وسط حامضي قليل الأوكسجين إلى وسط قلوي غني بالأوكسجين.
وعن تلك الأبحاث وأهم النتائج التي توصل إليها أوضح الشعار أنه، من خلال الأبحاث التي قام بإجرائها، فقد تبين أن الخلايا السرطانية تنمو في وسط شديد الحموضة خالٍ من الأوكسجين، بينما الخلايا السليمة تقوم بدورها على أكمل وجه عندما يكون الوسط قلوياً غنياً بالأوكسجين، وهذه النتيجة جعلته يؤكد أنه في حال نقص الأوكسجين المتاح للخلايا لمدة 48 ساعة فمن الممكن أن تصبح وسطاً ملائماً لتكوين خلايا سرطانية، ومن المعروف أن المواد الحمضية طاردة للأوكسجين بينما المواد القلوية جاذبه له، فعند ازدياد تراكم الفضلات الحمضية السامة والجذور الحرة الناتجة عن عملية التمثيل الغذائي وإنتاج الطاقة الحيوية إلى مرحلة لا يستطيع الجسم التخلص منها، تبقى الخلايا في وسط حامضي لفترة طويلة ويقل وجود الأوكسجين، وهو الأمر الذي يخلق مناخاً مثالياً لظهور وتكاثر الخلايا السرطانية، ولكن عند تحويل هذا الوسط إلى وسط قلوي غني بالأوكسجين تموت الخلية السرطانية وتتحلل وتطرح خارج الجسم.
الحدّ من آثار العلاج الكيماوي
«الخلايا السرطانية عدوانية جداً وتتكاثر بسرعة في المكان نفسه وذلك باستخدام الطاقة الناتجة من استقلاب الغلوكوز، فهي تحتاج السكر 20 مرة أكثر من الخلايا السليمة، والاستقلاب المتزايد للغلوكوز يسبب زيادة الوسط الحامضي، لذلك فالأنسجة السرطانية حمضية بينما الأنسجة السليمة قلوية»، حقيقة علمية وضحها الباحث الدكتور رضوان بدر الدين لينفذ من خلالها للقول: إن الباحث إبراهيم الشعار، وبناءً على تلك الحقيقة، قام بتحضير توليفة من الأحياء الدقيقة تضم 20 نوعاً من البكتيريا النافعة والخمائر المفيدة، كما قام بعزل الأحياء الدقيقة المكونة لها وتشخيصها بطرائق بيوكيميائية وجزيئية، ثم تنميتها واستخلاص مادة الكيفيران منها، وباستخدام التقانة الحيوية تم ربط هذه المادة بمواد عالية القلوية لتعديل درجة حموضة الوسط وتحويله إلى وسط قلوي.
وفي وقفة توضيحية لتلك المصطلحات العلمية، أشار الباحث الدكتور بسام العقلة إلى أن توليفة الكيفير هي مزيج من بكتيريا حمض اللبن والخمائر مع وجود البروتينات والدسم والسكريات المنحلة (الكيفيران)، الذي يعد المكون الفعال في الكيفير وله خواص مضادة للسرطان، وهو سكريات متعددة خارجية المنشأ تتألف من ارتباط وحدات سكرية تتكون من سكر الغلوكوز والغالاكتوز والرامنوز، ووحدات لا سكرية تتكون من البروتينات السكرية والفوسفولبيدات والأيونات المعدنية، ومن خصائص الكيفير القلوي أنه يساعد على تسريع عملية استعادة الخلايا وضعها الطبيعي بوجود المستوى الأمثل لدرجة الحموضة في الجسم، إضافة إلى أنه اقتصادي وآمن، ولا يقتصر دوره فقط على المشاركة في القضاء على الخلايا السرطانية فحسب، بل يساهم أيضاً في الحد من الآثار الجانبية التي يسببها العلاج الكيماوي.